«هدر الطعام».. أزمة مستمرة فى ظل ارتفاع معدل نقص الغذاء

ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية فى مصر إلى ٧.٨ مليون بين عامى ٢٠٢٠ و٢٠٢٢، ما يمثل ٧.٢٪ من إجمالى السكان. يرجع هذا الارتفاع إلى النمو السكانى السريع، حيث زاد عدد السكان بنسبة ٤٣.٥٪ منذ عام ٢٠٠٦.

وبالرغم من معاناة الشعب المصرى من نقص الغذاء إلا أن هناك نسبة كبيرة من الغذاء يتم هدرها بمتوسط ٩٠ كيلوجرامًا من الطعام للفرد الواحد سنويًا، وفقًا لتقديرات المركز الوطنى للبحوث الاجتماعية والجنائية.

ووفقًا لنفس الجهة تتزايد نسبة الغذاء المُهدر فى المناسبات الخاصة والأعياد والمهرجانات؛ حيث يتم التخلص من ٦٠ فى المائة على الأقل من الأطعمة الصالحة للأكل، وفى دراسة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فإن ٥٠ فى المائة من الخضار والفواكه، و٤٠ فى المائة من الأسماك، و٣٠ فى المائة من الحليب والقمح يتم هدرها كل عام فى مصر.

وانتشر فى الآونة الأخيرة بيع الوجبات الجاهزة والمعلبة فى «الهايبر ماركت»، حيث تتمثل تلك الوجبات فى أطباق الفواكه والخضروات المقطعة، ويقبل على شرائها الكثير نظرًا لسهولة تناولها فى أى وقت على مدار اليوم. وتلجأ المتاجر إلى إعدام كمية كبيرة من الوجبات الجاهزة فى نهاية اليوم لأنها أصبحت غير صالحة للاستخدام فى اليوم التالى.

رصدت «المصرى اليوم» حالة تلك المنتجات فى نهاية ساعات العمل فى أحد متاجر السلع الغذائية بإحدى محطات البنزين الساعة ٤ فجرًا. وبمجرد دخول المتجر وجدنا ١٩ قطعة من «الكرواسون فى حالة جيدة جدًا، وفقًا لما قاله العمال، يتم سحبها من العرض لاستبدالها بمنتجات جديدة، وعند سؤال العمال عن مصير تلك المنتجات قالوا المفروض نرميها.. بس عايزة الصراحة بناكلها طبعًا»، وأوضحوا أن المنتجات جيدة وصالحة للاستهلاك، ولكن وفقًا لسياسة المتجر الإدارية تلك المنتجات يجب أن تُباع طازجة ويُمنع بيعها بعد نهاية اليوم، ولكن العمال قرروا الاستفادة منها بدلًا من هدرها.

حاولت «المصرى اليوم» التواصل مع إدارة أحد المتاجر، وجاء الرد من قسم خدمة العملاء عن مصير المنتجات الطازجة لديهم فى نهاية اليوم، وأكدوا أن مسؤول الجدوى يفحصها فى نهاية اليوم، وإن كانت غير صالحة يتم سكب المنظفات عليها لإعدامها نهائيًا.

ولكن هذا الأسلوب فى التخلص من الطعام له آثار جانبية خطيرة فى إعدام الطعام ويُعتبر إجراءً قاسيًا يساهم فى تلوث البيئة، حيث قد تصل هذه المواد إلى التربة والمياه الجوفية، مما يؤثر سلبًا على النظام البيئى.

فى متجر آخر لبيع المخبوزات والقهوة والفاكهة والخضار الطازج، قال عمال المتجر إنهم حاولوا التحدث مرارًا وتكرارًا مع الإدارة لمحاولة الاستفادة من المنتجات التى يُمنع بيعها فى اليوم التالى، عن طريق توزيعها على الفقراء والمحتاجين ولكن الإدارة رفضت لأن سياسة المتجر تُلزم العمال بإعادة المنتجات للشركة الموردة. وأرسلت «المصرى اليوم» بريدًا إلكترونيًا للتواصل مع الإدارة، وجاء الرد بالبريد الإلكترونى للقسم المسؤول وبعد إرسال الأسئلة لم يصل أى رد منذ ١٨ يومًا.

وتتسبب طريقة إعدام الطعام فى تعزيز فكرة هدر الطعام، خاصةً مع وجود ملايين الأشخاص الذين يعانون من نقص الغذاء، بالإضافة إلى التأثير السلبى على البيئة نتيجة استخدام المواد الكيميائية التى يمكنها الوصول إلى التربة والمياه الجوفية. وهناك حلول بديلة يمكن اتباعها مع هذه المنتجات، منها (التبرع للجمعيات الخيرية- مراكز الطعام المجتمعى)، ما يساهم فى تقليل الهدر وتحسين الأمن الغذائى.

وأكدت «الفاو» أن هدر الطعام يحدث فى الدول الغنية فى المطابخ، سواء فى المطاعم أو الفنادق أو المنازل أثناء إعداد الطعام بكميات أكثر من الكمية المستهلكة أو ترك الطعام فى حافظات الطعام والثلاجات لفترات طويلة حتى يفسد بينما يهدر الطعام فى البلدان النامية فى مرحلة الحصاد بسبب مرافق التخزين السيئة فى المزارع التى تؤدى لانتشار الآفات وإتلاف المحاصيل، بالإضافة إلى عدم وصول التكنولوجيا للمزارعين ونقص العمالة والاستثمارات المالية اللازمة، الأمر الذى يدفعهم لمشاهدة محاصيلهم تتعفن فى الحقول.

وتتراوح نسبة الفاقد والهدر فى الخضروات والفاكهة فى مصر ما بين ٤٥٪ و٥٥٪ من الإنتاج السنوى، حسب تقديرات «الفاو»، وأكدت أن أكثر من نصف إنتاج الطماطم والعنب يهدر قبل وصوله إلى الأسواق، نتيجة لسوء التخزين ونقص التكنولوجيا وغياب البنية التحتية المناسبة.

ولمواجهة تلك التحديات، نفذت مصر ٣٢٠ مشروعًا زراعيًا بتكلفة تجاوزت ٤٢ مليار جنيه، بهدف دعم التنمية الزراعية، ومكافحة التصحر، والحد من آثار التغيرات المناخية. وأسفرت هذه الجهود عن زيادة صادرات مصر من الحاصلات الزراعية بنسبة ٢٤.٦٪ خلال موسم ٢٠٢٢- ٢٠٢٣، لتصل قيمتها إلى ٣.٦ مليار دولار. كما تستهدف الدولة زيادة المساحات المزروعة بالقمح إلى ٣.٤٣ مليون فدان، والذرة إلى ٢.٨ مليون فدان، مع تعزيز نسب الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الأساسية مثل القمح والذرة والفول.

وفى قطاع الثروة السمكية، تسعى مصر لتحقيق اكتفاء ذاتى بنسبة ٩٨٪، مع إنتاج سنوى يبلغ حوالى ٢ مليون طن. أما الثروة الحيوانية فتشهد استثمارات تبلغ ١٠٠ مليار جنيه منذ عام ٢٠١٤، بهدف توفير البروتين الحيوانى وتقليل الفجوة الغذائية. وبالرغم من تلك الجهود فهى ليست كافية للقضاء على أزمة هدر الطعام فى مصر لأنه لا يقتصر على مرحلة الحصاد فقط، بل يمتد إلى المنازل والمطاعم والفنادق، ويبلغ متوسط هدر الطعام للفرد الواحد فى مصر حوالى ٩١ كيلوجرامًا سنويًا، وتزداد النسبة خلال المناسبات والأعياد، حيث يُهدر ما لا يقل عن ٦٠٪ من الأطعمة الصالحة، وفقًا لتقارير المركز الوطنى للبحوث الاجتماعية والجنائية.

ولكن لا تقتصر مشكلة هدر الغذاء على المحاصيل الزراعية أثناء فترة الحصاد، ففى دراسة حديثة لمعهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية بعنوان «سلوك الريفيات المتعلق بالحد من الهدر الغذائى المنزلى فى بعض قرى محافظة الإسكندرية»، تبيّن أنه وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تنفق مصر على الطعام والشراب ما يقدر بنحو ٢٠٠ مليار جنيه سنويًا، أى بمتوسط يومى مقداره ٥٤٧ مليون جنيه، ويزداد هذا الإنفاق خلال شهر رمضان وعيد الفطر بما يعادل حجم الإنفاق اليومى فى الأشهر الأخرى.

ووفقًا لما ذكره الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن نسبة إنفاق الأسر المصرية على الطعام والشراب فى الريف تزيد عن الحضر، حيث بلغت ٨.٩ فى الريف مقابل ٣٠،٤ فى الحضر كنتيجة مباشرة لهدر الطعام بكميات كبيرة.

ويعتبر المستهلك هو العامل الرئيسى والمباشر الذى يسهم فى حدوث الهدر الغذائى داخل المنزل، وأشارت دراسة إلى أن الشراء الزائد عن الحاجة أثناء التخفيضات أو العروض، وشراء عبوات كبيرة فى الحجم أو الشراء دون تدوين قائمة بالمشتروات أو دون جرد مسبق للمطبخ أو التخلص من بعض الأغذية غير المستعملة والتى فسدت نتيجة نسيانها وانتهاء تاريخ صلاحيتها قبل استعمالها تعد أمثلة لروتين متبع بشكل مستمر يؤدى فى النهاية إلى زيادة الهدر الغذائى داخل المنازل.

وأظهرت الدراسة أن ٤٨.٧٪ من النساء الريفيات يظهرن سلوكًا منخفضًا فى الحد من هدر الطعام، فى حين أن ٥٠٪ منهن يتمتعن بسلوك متوسط، بينما بلغت نسبة من يتمتعن بوعى مرتفع حول هذه القضية ١.٣٪ فقط.

وكشفت الدراسة عن وجود علاقة بين بعض المتغيرات مثل عمل الزوجة وتربية الطيور المنزلية ومستوى وعى الريفيات بالحد من هدر الغذاء، وتعتبر الأمهات المصدر الرئيسى للمعلومات حول طرق التعامل مع الغذاء، حيث تحصل ٤٢.٢٪ من النساء على معلوماتهن من أمهاتهن، بينما يأتى التليفزيون والإنترنت فى المرتبتين الثانية والثالثة.

وبالرغم من الجهود المبذولة لتعزيز الإنتاج الزراعى وتحسين سلاسل الإمداد لاتزال مشكلة هدر الطعام عقبة رئيسية أمام تحقيق الأمن الغذائى المستدام، حيث يمثل الأمن الغذائى حالة يتمتع فيها الأفراد بفرص الحصول المادى والاقتصادى على غذاء كافٍ وآمن ومغذٍ يلبى احتياجاتهم الغذائية، بما يضمن حياة نشطة وصحية، وفقًا لتعريف الفاو للأمن الغذائى.

وقال الدكتور خالد ناجى، وكيل معهد تكنولوجيا الأغذية، إنه من الضرورى الابتعاد عن استخدام المواد الكيميائية والمنظفات فى التخلص من الطعام لأن هذه الطريقة يمكن أن تؤدى إلى تلوث الغذاء وتمنع تحوله إلى سماد طبيعى، حيث يمكن إعادة تدوير بقايا الطعام من خلال استخدامها سمادًا طبيعيًا أو علفًا للحيوانات، مما يساعد على الاستفادة من الموارد بدلًا من إهدارها.

بعد إدراك خطورة مشكلة هدر الطعام بدأت منظمات المجتمع المدنى والمؤسسات الحكومية فى تنفيذ مبادرات تهدف إلى تقليل الفاقد وتحسين كفاءة سلاسل الإمداد الغذائى، فى عام ٢٠٢٢ نفذت منظمة الفاو فى مصر بالتعاون مع بنك الطعام المصرى حملة بعنوان «كل يوم نصيحة فى رمضان»، تهدف إلى الحفاظ على الطعام والحد من الهدر وتحسين الأمن الغذائى، وبدأ بنك الطعام المصرى مبادرة لجمع فائض الطعام من الفنادق والمطاعم عام ٢٠٠٦، محققًا نجاحًا كبيرًا، حيث تم توفير ١٩ مليون وجبة غذائية، وتعاونت مع ٩٠٪ من الفنادق الكبرى.

ومن الجانب القانونى، قدمت النائبة أميرة صابر مقترحات تشريعية لمكافحة هدر الطعام عام ٢٠٢٢، تهدف إلى وضع معايير وقوانين للحد من إهدار الطعام، نظرًا لتأثيره المباشر على التنمية المستدامة والأمن القومى، وبالرغم من عدم تحول تلك المقترحات إلى قانون فعلى إلا أنها سلطت الضوء على ضرورة وضع إطار قانونى يدعم الجهود المبذولة فى هذا المجال.

2024-09-16T04:39:33Z dg43tfdfdgfd