كثيرا ما نتداول عبارة “كبر دماغك” أو عبارات مشابهة لها، كنوع من تحفيز الآخر على تجاهل أحد الأمور. في تونس، نستخدم أحيانا عبارة “يا ولدي كبر عقلك”، أو “يكون العقل منك” كلما رأينا أحدهم يوشك على اتخاذ قرار مصيري في حياته كرد فعل على سلوك لم يعجبه من أحدهم.
هذه العبارة التي من المؤكد أنها تتداول في الكثير من الدول العربية اختارها خالد صالح منيف لتكون عنوان أحد كتبه، وفيها يقدم مقالات موجزة عن مواضيع متنوعة بين التنمية الذاتية وسير شخصيات مهمة ومواقف حياتية ذاتية وحكم عربية وغربية شهيرة، وأحاديث نبوية وآيات قرآنية.
في “كبر دماغك” سيلفت انتباهك كل مقال ويشدك للتفكير وإعادة التفكير في الأمر، صحيح أن الكاتب ربما في نظر البعض لا يقدم جديدا يذكر لكنه يعيد صياغة معلومات بأسلوب ممتع ومختصر.
ومن بين المفاهيم التي تكلم عنها، “متلازمة المربع الناقص/ المفقود” هذا الوصف الذي أطلقه العالم الأميركي دنيس براجر لوصف سلوك الإنسان تجاه ما ينقصه في الحياة، أي أنه لو كان هناك سقف متخيل في غرفة ما، يتألف من مئة مربع وكان هناك مربع ناقص فإن الناس سيركزون عليه ويتجاهلون التسعة والتسعين مربعا الموجودة.
هكذا هم الناس في الحياة، فأغلبنا نركز على ما نفقده وليس على ما نملكه.
وتعقيبا على ذلك يقول خالد صالح منيف “الحال في السقف يختلف تماما عن الحال في الحياة! في السقف تكون الصورة مشوهة والنقص سهلا تعويضه وجعله يبدو متكاملا”. ولكن في حال النقص في الحياة أو النفس فإن المرء لا يستطيع إلا التركيز عليه.
لو نظر كل واحد منا في نفسه لوجد أن من أكثر مسببات حزنه وغضبه وربما اكتئابه من حين إلى آخر هو تركيز اهتمامه لفترة على ما ينقصه لا على ما امتلكه. وبعض الناس يتحول تركيزهم على “المربع المفقود” في حياتهم إلى مأساة تحيل حياتهم إلى جحيم. تخيل فتاة تعاني من السمنة رغم أنها تعيش استقرارا ونجاحا مهنيا وأسريا، إلا أنها لا تهتم لزواجها الناجح ولا لعلاقتها المتينة بأهلها ولا لأطفالها الأصحاء ولا لتطورها المهني، هي فقط تهتم بمشكلة السمنة، تمشي في الشارع ولا تلتقط عيناها سوى أجساد الرشيقات وذوات “العود الفرنسي”.
أو تخيل رجلا تخصص في مجال ما ثم لم يجد عملا ضمن تخصصه فاتجه للعمل في مجال ثان ونجح فيه، ورغم أن مربعات حياته الباقية متراصفة بثبات إلا أنه يعيش عمره كاملا وهو حزين ويتحسر لأنه لم يحظ بفرصة العمل في التخصص الذي أحبه.
وفي أحيان كثيرة لا يدرك الإنسان جمال تلك المربعات المكتملة في حياته إلا حين يفقدها، فيصرف نظره عن المربع المفقود محاولا اللحاق ببقية المربعات قبل أن يفقدها جميعا.
ونظرية دنيس براجر هذه قد تكون على علاقة وثيقة بـ”وهم السيطرة” وهو أحد الاضطرابات الإدراكية الخطيرة التي تستنزف طاقة الإنسان وتضيع وقته وتجهده وتغرقه في محاولات مستميتة للسيطرة على الأمر الوحيد الذي لا يمشي في حياته كما يريد، حتى يتحول إلى شخص يقاتل من أجل السيطرة على كل شيء من حوله. في المقابل هناك وهم أشد خطورة وهو الذي يشعر فيه الإنسان بقلة الحيلة وعدم القدرة على السيطرة على أي شيء، فيترك كل شيء يسير دون أن يسعى لأي “مربع”.
“كبر دماغك” باختصار قد ينير في عقولنا أفكارا مهمة تعلمنا أن لا جدوى من أن نعيش وهم السيطرة ولا وهم الكمال ولا أيضا حياة النصف، كأن تعيش بأنصاف الأشياء، نصف حياة ونصف حضور ونصف حب ونصف عمل وتكون نصف إنسان يركض خلف النصف/ المربع الناقص من حياته.