الميليشيات أحد أعراض المرض وليست الدواء

الميليشيات تدافع عن أفعالها بحجة أن فشل الحكومة سمح للفساد بسرقة الموارد الوطنية، ما مهد الطريق للفقر والظلم.

مع التركيز العالمي على الاشتباكات المميتة بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في الخرطوم، كانت ميليشيات أخرى في الجانب الآخر من العالم تخوض معركة ضد جيشها الوطني وهي مجموعة فاغنر، التي اشتبكت مع الجيش الروسي في لوهانسك أوبلاست الأوكرانية.

كانت تلك الاشتباكات مجرد واحدة من العديد من العمليات التي شنتها مؤخرا أطراف تستخدم العنف وهي جهات غير رسمية في الدول الفاشلة.

واشتبكت الميليشيات مع الجيوش، كما وقع في السودان، في حين بنت الجسور مع الدولة كما هو الحال في إيران ولبنان؛ وتعايشت بشكل متقطع مع الدولة وجيشها مثل العراق واليمن وسوريا مما يثير شبح الحرب الأهلية.

وتدافع الميليشيات عن أفعالها بحجة أن فشل الحكومة سمح للفساد بسرقة الموارد الوطنية، مما مهد الطريق للفقر والظلم. ولأن النظام لا يستجيب للتغيير أو الإصلاح من خلال الوسائل السلمية، كما يزعمون، فإن الخيار الوحيد المتبقي هو التمرد المسلح.

لكن التغيير الإيجابي يتطلب خطوتين: الأولى، تقويض النظام السابق واستبداله بشيء جديد ويفضل أن يكون نظاما أفضل، لكن الميليشيات المسلحة، أينما كانت، تقوم بتقويض الأنظمة القائمة، ولكنها مثل الأنظمة الحاكمة من قبلها، تفشل في تقديم أي شيء جديد أو أفضل، وعادة ما تعود الأمور إلى سابق عهدها، مما يجعل التقدم مستحيلا.

وبدأت الولايات المتحدة التغيير في الدول ذات الأغلبية العربية عندما أطاحت بصدام حسين في عام 2003. ومنذ ذلك الحين، لم يخلق العراقيون بعد دولة كفؤة مثل دولة دكتاتورهم صدام حسين، الذي انقسم العراق دونه إلى أجهزة أمنية وميليشيات متنافسة، وكلها تسيء استخدام موارد الدولة تماما كما فعل هو ونظامه ذات يوم.

وجاء في المرتبة الثانية من فئة الدول التي أطاحت بدكتاتورها لبنان، حيث خرج اللبنانيون إلى الشوارع في عام 2005، مما أجبر الرئيس السوري بشار الأسد على سحب قواته بعد احتلال دام 29 عاما. وما أعقب ذلك كان سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات والحرب مع إسرائيل وجولة سريعة من الحرب الأهلية، وظهر حزب الله على القمة، وابتداء من عام 2008، أصبح زعيمه حسن نصرالله الزعيم الفعلي للبنان.

واليوم، يعكس لبنان فعليا النموذج الإيراني، حيث يهيمن المرشد الأعلى علي خامنئي وميليشيا الحرس الثوري الإسلامي التابعة له على دولة فاشلة، ويلقون بمسؤولية فشلهم على عاتق الحكم.

ومع انهيار المزيد من الأنظمة العربية بعد عام 2011، بدأت بقايا الجيوش الوطنية تقاتل ميليشيات جديدة في ليبيا واليمن والسودان. تلا ذلك ركود في كافة الجبهات. وأجبر الإرهاق من الحرب في ليبيا واليمن على هدنة في شكل عملية سلام وإعادة بناء الدولة. لكن تلك العمليات نادرا ما أسفرت عن حكومات أفضل، وفي أحسن الأحوال، شهدت اتفاقات تقاسم السلطة تعايش الجيوش والميليشيات القديمة بشكل هش بينما تغذي آلات القتل وشبكات المحسوبية في انتظار المواجهات المستقبلية.

وبعد أن تأخرت الفصائل المتناحرة بالسودان في الانضمام إلى حفلة الربيع العربي، بدأت للتو في شن معركتها. ويشير الوضع العسكري المتقلب إلى أن أيّا من الطرفين لن يستطيع القضاء على الآخر.

ومن المرجح أن تستمر حرب السودان لبعض الوقت، على الأقل حتى تصبح الأطراف المتحاربة منهكة للغاية بحيث لا يمكنها القتال. وكلما تم التوصل إلى هدنة، سيحكم الجانبان منطقتين مدمرتين أو أكثر تعيشان في فقر وتعانيان من الأنشطة الاجرامية، وسيواصل السودانيون الذين بدأوا يفرون من الحرب الهجرة إلى بلدان أكثر استقرارا، إلى أن يتوقف القتال.

ما لا تفهمه الميليشيات وأنصار التغيير عن طريق العنف هو أن لعب دور الضحية لا يمكن أن يكون رخصة لممارسة العنف، وأن القوة وحدها لا يمكن أن تكون الحل. وفي غياب الضوابط المناسبة، فإن السلطة حتى في أيدي الضحايا الذين تحولوا إلى ميليشيات تتحول إلى قوة مفسدة، وبالتالي تضاعف البؤس الوطني مقارنة بأيام الدكتاتورية. ويجب أن يكون التغيير تدريجيا ويثق بالحكومات القائمة، حتى الحكومات غير الفعالة والفاسدة ستتعرض لضغوط محلية وخارجية هائلة إذا فشلت في تطوير اقتصاداتها وتوفير العيش الكريم لمواطنيها.

والسلطة المركزية هي حجر الزاوية في الدولة، والتي دونها يصبح الوطن قطعة أرض تتقاتل عليها القبائل المتناحرة، وربما تطلب الأمر الحرب في العراق والربيع العربي ليفهم البعض أن العديد من الدول العربية ليست مستعدة للتحول إلى أشكال الحكم غير الاستبدادية.

قد تكون كوريا الجنوبية مثالا جيدا هنا، حيث يبدو الاقتصاد الكوري النابض بالحياة اليوم وكأنه ديمقراطية مستقرة، ولكن هذا لم يأت بين عشية وضحاها، فعلى الرغم من رعاية الولايات المتحدة لكوريا ووجودها هناك منذ نهاية الحرب في شبه الجزيرة في عام 1953، فإن الأمر استغرق حوالي 25 عاما ليتخلى المجلس العسكري الكوري الجنوبي عن النظام الاستبدادي، وحتى ذلك الحين، لا تزال البلاد تجد نفسها – من وقت إلى آخر – متورطة في الفساد على المستوى الرئاسي والجمود السياسي.

وتعاني إيران والدول العربية التي لديها ميليشيات من توتر لا نهاية له بين الدولة والدويلات الموازية، ويبدو أن السماح للدولة باستيعاب الميليشيات هو أفضل مسار للعمل، وتتمتع الحكومة المركزية الفعالة بفرصة أفضل لتطوير الاقتصاد والموارد البشرية. وبمجرد أن تتطور بما فيه الكفاية، يمكن لأيّ من هذه البلدان أن تفكر في التحول إلى حكومات أقل مركزية قادرة على خدمة احتياجات شعوبها ومصالحها بشكل أفضل.

Provided by SyndiGate Media Inc. (Syndigate.info).

2023-05-30T02:05:42Z dg43tfdfdgfd